لحظات الانتظار املأها بالاستغفار

قوائم الموقع

أمثلة على محظورات التداوي

7 يوليو، 2016 6998 عدد الزوار

قال صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام) كما ذكرنا في الموضوع السابق حيث أن الأصل في التداوي الحل إلا ما حرمه الشارع. لذا تفريعًا على هذا الضابط أذكر لك بعض الأشياء المحرمة التي انتشرت في هذه الأزمنة ويظنها بعض الناس أنها من العلاجات وهي من المحرمات المضرات التي تزيد العبد وهنًا على وهنه فأقول وبالله التوفيق:

الأول: التداوي بالتمائم:

وهي أشياء من الودع أو الخيوط أو الورق المكتوب عليه أو غير ذلك ويعتقد معلقه أنها تدفع عنه الشر وتجلب له الخير، وبعض المعالجين بالأعشاب يبيع هذه (الحجب) أو (الأحراز) بالأثمان الباهظة وكثير منها مشتمل على طلاسم وكتابات غير مفهومة، وكثير منها استعانة بالجن وكبراء الشياطين وأسيادهم، وهي من العلاج المحرم، بل هي داء وليست بدواء.

قال تعالى: “قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضرٍ هل هن كاشفات ضره, أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله، عليه يتوكل المتوكلون”.

وفي الصحيح عن أبي بشير رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر – أو قلادة – إلا قطعت).

وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وفي يده حلقة من صفر قال: (ما هذه؟) قال: من الواهنة، قال: (انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً فإنك لوْ مِتَّ وهي عليك ما أفلحت أبدًا) [رواه أحمد وابن حبان والحاكم].

ولأحمد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) وفي رواية: (من تعلق تميمة فقد أشرك) وهي عند الحاكم أيضًا، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التمائم والرقى والتولة شرك) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم].

وفي حديث عبدالله بن عكيم مرفوعًا: (إنَّ من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه) [رواه أحمد والترمذي].

وفي حديث رويفع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابةٍ أو عظم فإن محمداً بريء منه) [رواه أحمد في المسند] فالتمائم كلها حرام.

أما التمائم الشركية فبالإجماع وأما التمائم من القرآن فعلى القول الصحيح وذلك لعموم الأدلة وقد تقرر في الأصول:
أن العام يجب أن يبقى على عمومه ولا يخص إلا بدليل، وكذلك لسد ذريعة تعلق شيء من القلب بغير الله تعالى، ولسد ذريعة امتهان القرآن، ولسد ذريعة تعليق التمائم الشركيَّة، وعليه أكثر المتأخرين، فلا يجوز للعبد أن يتخذ التمائم بقصد العلاج لأنها داء وما هي بدواء ولا تغرَّنك المرويات الباطلة والحكايات الكاذبة التي يروجها فقراء الدين، والمفلسون من الإيمان، ودعاة الفتنة حول تأثير هذه التمائم، فالحق أحق أن يتبع والله أعلم.

الثاني: جمع شيء من تراب الأرض الذي سقط عليه المريض:

فإن هذا شيء يفعله بعض المرضى، إذا سقط على أرض فاعتل فإنه يذهب إلى نفس المكان ويأخذ ترابه أو يريق عليه ماءً مقروءًا فيه وكل ذلك يقصد به العلاج.

وهذا أمر لا يجوز؛ لأنه نوع تقرُّب للجن، ولا علاقة ظاهرة بين هذا الفعل وبين علاج ذلك المرض إنما هو التخرّص والجهل والانسياق وراء الحكايات الباطلة من غير تمحيص لصحيح الأخبار وسقيمها، فهذا الفعل حقيقته نوع من الاسترضاء للجن ونوع تقرُّب لهم واستكفاء لشرهم بشيء لا دليل عليه. فهذا ليس بعلاجٍ أصلاً حتى نطبق عليه القاعدة المذكورة؛ لأن إثبات كونه علاجًا لابد فيه كلمة أهل الخبرة الموثوقون في علمهم وخبرتهم وديانتهم، ولا نعلم عن أهل الخبرة في ذلك كلمة واحدة، بل المحفوظ عن كثير منهم إنكار مثل ذلك وبعضهم لم يسمع به أصلاً، وإنما هو من تهوكات العامة الذين يتلقفون مثل هذه الأشياء طمعًا منهم بالشفاء ولو كان على حساب دينهم وعقيدتهم، فإدخال ذلك في دائرة العلاج حتى نطلب الدليل على تحريمه غير مقبول أصلاً، فالحق منعه، والوصيَّة لولاة الأمور أن يوقفوا كل من يُقرُّه ويأمر به العوام، فهو علاج شيطاني بدعي لا أصل له، ولا دليل يعضده ولا تجربة تصدقه وادعاء بعض العوام أنه فعله واستفاد منه ليس بشيء؛ لأن مثل هذا الطريق لا يصلح أن يكون سبيلاً في معرفة طرق العلاج.

إنَّ العلاج يُعرَف طريقه بالنص أو بالتجربة الصادرة من أهل العلم والخبرة، وعلى كل حال فهذه الطريقة المذكورة داء وليست بدواء فالواجب تركها والحذر والتحذير منها والله المستعان.

الثالث: التداوي بالذهاب للسحرة والعرافين والكهنة والمشعوذين:

فهو محرم بالاتفاق ووسيلة من وسائل الكفر والشرك، بل هو في بعض صوره شرك أكبر مخرج من الملة بالكلية، بل الذهاب لهم هو الداء بعينه والفساد برمته فكم توحيد ذبح عندهم وكم إيمان قتل في فناء دورهم وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له الصلاة أربعين يومًا) [رواه مسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أتى كاهنًا فسأله عن شيء فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم) [حديث صحيح].
وفي الحديث: (ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له أو سحر أو سُحر له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم) [رواه البزار بسندٍ جيد].
وعن معاوية بن الحكم قال قلت يارسول الله: أموراً في الجاهلية كنا نصنعها، كنا نأتي الكهان قال: (فلا تأتوا الكهان…الحديث) [رواه مسلم].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليسوا بشيء) قالوا: يا رسول الله إنهم يحدِّثون أحياناً بالشيء فيكون حقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قَرَّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة) [متفق عليه].

فهذه الطائفة الخبيثة المنتنة حقها أن تحارب ويرفع أمرها إلى ولاة الأمور لاجتثاثها والقضاء عليها، كما اجتثوا دين وإيمان كثير من الناس فاحذر من الذهاب إليهم الحذر المطلق فإنهم أعداء الديانة وأحباب إبليس ومنفذو مخططاته اللعينة فاحفظ دينك بقطع دابر الذهاب لهم، وابذل النصيحة لمن خلفك من المسلمين بالإبلاغ عن هذه الثلة الخبيثة، والله أعلم.

الرابع: العلاج بالموسيقى:

التي يقوم بها بعض أطباء النفس المتفرنجين والمستغربين فإن في منظور طبهم أن الموسيقى تصلح أن تكون علاجًا لبعض حالات الأمراض النفسية وهذا لا يجوز؛ لأنه مخالفة للثابت شرعًا، فإن آلات المعازف والغناء والموسيقى بأنواعها حرام، والأدلة في ذلك كثيرة وقد استوفاها العلامة المحدث الألباني رحمه الله تعالى في كتابه [تحريم آلات الطرب] وقبله الإمام العلامة ابن القيم في كتابه [الكلام على مسألة السماع] وقبلهما الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في كتابه [الاستقامة]. وقد كتب كثير من أهل العلم في هذه المسألة وبينوا فيها الأدلة وردوا فيها حجج المخالف وبينوا زيفها، فالحق الحقيق بالقبول هو حرمة الغناء وآلات الملاهي, فحيث ثبتت حرمتها فلا يجوز اتخاذها سبيلاً لطلب الصحة؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها ولحديث (ولا تداووا بحرام).

وقد روى أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عبدالله بن غنم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب) [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة, مزمار عند نغمة ورنة عند مصيبة) [رواه البزار بسند جيد].

وعن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) [رواه البخاري في صحيحه].

وقد ذكر القاضي عياض الإجماع على كفر من استحل الغناء ذكره عنه ابن مفلح في الفروع، وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه ا.هـ.

قلت: والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم، وقد ثبت أن الغناء والموسيقى فيها مفاسد عظيمة فهو يفسد القلب.

قال الضحاك رحمه الله تعالى: [الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب]، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: [فالغناء يفسد القلب وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق] ا.هـ.

ومن مفاسده أنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع, قاله ابن مسعود رضي الله عنه ومن مفاسده: أنه يسخط الرب جل وعز، ومن مفاسده أنه ينافي الشكر لأن المغني استعمل لسانه فيما حرمه الشارع عليه وهو رقية الزنا وبريده كما قاله الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: وهو صاد عن ذكر الله تعالى وعن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا، وهو مزمور الشيطان كما سماه أبو بكرٍ رضي الله عنه وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أسباب الضلال عن سبيل الله تعالى ومن ضل عن سبيل الله تعالى فهو هالك قال تعالى: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم” وقد ثبت عن عدد من الصحابة أن الغناء هو المراد بذلك. والغناء من الزور فقد قال محمد بن الحنيفة في قوله تعالى: “والذين لا يشهدون الزور” قال: هو الغناء، وهذا من تفسير الشيء ببعض أفراده.

وقال ابن القيم: [الغناء يورث النفاق في قومٍ ويورث العناد في قومٍ والكذب في قومٍ والفجور في قومٍ والرعونة في قومٍ] ا.هـ. وهو صوت الشيطان كما قال الله تعالى: “واستفزز من استطعت منهم بصوتك…الآية” فقد فسر جملة من التابعين والعلماء بأنَّ صوت إبليس هو الأغاني، وهو من المكاء والتصدية كما قال تعالى: “وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية”.

قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة: [المكاء: الصفير والتصدية: التصفيق والغناء من جملة الأصوات الفاجرة التي تدعو إلى الفاحشة] ولذلك فإن أهل الفواحش دائمًا ما يستمعونه عند مواقعة فواحشهم فانظر إلى الملاهي الليلية والبارات التي تشرب فيها الخمور والأوكار التي يفعل فيها الزنا فإنك لا تجد فيها إلا الغناء – نعوذ بالله من ذلك- وغير ذلك من المفاسد التي تفوق الحصر وبناءً عليه فلا يجوز جعل الغناء والموسيقى سببًا من أسباب العلاج والاستشفاء بل هي داء وليست بدواء عافانا الله و إخواننا من كل بلاء وأسأله جل وعلا باسمه الأعظم أن يمن على المغنين والسامعين له بالتوبة النصوح قبل الممات وأن يهدي قلوبهم وجوارحهم إليه وأن يردهم إليه ردًا جميلاً وأن يعيذهم من نزغات الشيطان وأن يكفيهم شره إنه سميع قريب مجيب الدعاء والله أعلى وأعلم.

الخامس: البعض من القراء هداه الله تعالى يستعمل أسلاك الكهرباء في العلاج:

وهذا محرم ولا يجوز وذلك لعدة أمور:

الأول: أنه مباشرة للجسد بتعذيبه بالنار وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ولا يعذب بالنار إلا ربها) أو كما قال عليه الصلاة و السلام والكهرباء في حقيقتها أنها نار، ولذلك من مات محترقًا بها فإنه ترجى له الشهادة؛ لأن الحريق شهيد كما هو ثابت عنه رضي الله عنه.

الثاني: أنّ في العلاج بذلك أخطارًا عظيمة وآفات جسيمة على المريض فإنها قد تقتله، وقد تعطِّل بعض حواسه وقد تشل بعض أطرافه عن الحركة، وقد تشوِّه بعض أجزاء جسمه، وكل ذلك لا يجوز فإن الإنسان نفسًا وجسمًا وأطرافًا وروحًا قد كرمه الله تعالى فلا يجوز التعدي عليه بمثل هذه الأعمال، وقد منع ولي الأمر المعالجة بمثل ذلك وطاعته في مثل ذلك واجبة لأنه أمر بمعروف ونهي عن منكر وتعطيل لكثير من الفساد فالواجب تركه والحذر والتحذير منه، والله أعلم.

السادس: المعالجة بالخمر:

فإنه حرام ولا يجوز إقراره بل الواجب منعه، وهذه القضية قد فصلت بخصوصها بالأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون… الآية بعدها” وعن وائل الحضرمي أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: (إنه ليس بدواء ولكنه داءٌ) [رواه مسلم].

السابع: الأدوية التي قد اشتملت تركيبتها على شيء من شحم الخنزير

أو بعض أجزاء الحيوانات التي يحرم أكلها فإن هذه الأدوية محرمة لا يجوز تناولها؛ لأنه يستلزم تناول ذلك المحرم، وقد قال تعالى: “قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به” والله أعلم.

الثامن: التداوي بشرب دم بعض الحيوانات والطيور:

بشرب دم الضب: لعلاج بعض الأمراض كالسعال الديكي ونحوه وهو حرام، وقد سئل عنه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى فأجاب فيه جوابًا طويلاً شافيًا كافيًا فقال:

إذا كان دم الضب مسفوحًا فهو حرام والتداوي به لا يجوز والأصل في ذلك الكتاب والسنة والنظر.

أما الكتاب فقوله تعالى: “حرمت عليكم الميتة والدم”، وقوله تعالى: “قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير…الآية” وما جاء في معنى هاتين الآيتين من القرآن، وجه الدلالة:

أن الله تعالى حرم الدم في الآية الأولى على سبيل الإطلاق وحرمه في الثانية تحريمًا مقيدًا فيحمل المطلق على المقيد, ومن المقرر في علم الأصول أن الأحكام من أوصاف الأفعال فإذا أضيفت إلى الذوات فالمقصود الفعل الذي أعدت له هذه الذات فإضافة التحريم إلى الدم المسفوح إضافة إلى ما أعد له من شربٍ وتداوٍ وبيعٍ ونحو ذلك.

وأما السنة فهناك عدة أدلة:

الدليل الأول:

روى البخاري في صحيحه معلقًا عن ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) وقد وصله الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبزار وأبو يعلى في مسنديهما ورجال أبو يعلى ثقات، وتقرير الاستدلال:

أن قوله صلى الله عليه وسلم: (يجعل) فعل مضارع في سياق نهي، وهي (لم) والفعل المضارع يشتمل على مصدرٍ وزمان وهذا المصدر نكرة، وهو الذي توجه إليه النفي، وقد تقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي تكون عامة إذا لم تكن أحد مدلولي الفعل، وألحق بذلك النكرة التي هي أحد مدلولي الفعل وقد صدر الجملة بأن المؤكدة، فالمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بعدم وجود شفاءٍ في الأدوية المحرمة، وباب الخبر لفظًا ومعنى، لا لفظًا من المواضع التي لا يدخلها النسخ فحكمه باقٍ إلى يوم القيامة، فيجب اعتقاد ذلك، وتقريره: أن من أسباب الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد منفعتها وبركتها وبين حسن ظنه بها وتلقيه لها بالقبول بل كلما كان أكره لها وأسوأ اعتقادًا فيها وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داءً لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه أنها داء.

الدليل الثاني:

روى مسلم في صحيحه عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه، وكره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: (إنه ليس بدواء ولكنه داء) وفي صحيح مسلم عن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت يا رسول الله: إن بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشرب منها، فقال: (لا) فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض, قال: (إن ذلك ليس بشفاءٍ ولكنه داء) ويقرر الاستدلال من هذين الحديثين ما سبق، إلا أن هذا نص في الخمر ويعم غيرها من المحرمات قياسًا.

الدليل الثالث:

روى أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث).

وجه الدلالة:

أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث والنهي يقتضي التحريم فيكون تعاطيه محرمًا, وما حرم إلا لقبحه والقبيح لا فائدة فيه وإذا انتفت الفائدة انتفى الشفاء, وروى أبو داود في السنن من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داءٍ دواءً فتداووا ولا تتداووا بحرام) [وأخرجه أيضًا الطبراني ورجاله ثقات]، وجه الدلالة:

أنه صلى الله عليه وسلم بين أن الدواء في المباح أما المحرم فلا دواء فيه وبيان ذلك من وجوه:

الأول: أن الله جل وعلا هو الذي قدر الأمراض وقدر لها الأدوية وهو المحيط بكل شيء فما أثبته فهو المستحق أن يثبت وما نفاه فهو المستحق أن ينفى قولاً وعملاً واعتقادًا.

الثاني: إن الله جل وعلا شرع لإزالة الأمراض أسبابًا شرعيّةً وأسبابًا طبيعية وعادية فالأسباب الشرعية مثل قراءة القرآن والأدعية وقوة التوكل ونحو ذلك، وأما الطبيعية فمثل ما يوجد عند المريض من قوة البدن التي تقاوم المرض حتى يزول، وأما الأسباب العادية فمثل الأدوية التي تركب من الأشياء المباحة فكيف تجتنب الأسباب المشروعة إلى أسباب يأثم مرتكبها إذا كان عالمًا بالحكم.

الثالث: أنّ أصل التداوي مشروع وليس بواجب فلا يجوز ارتكاب محظور من أجل فعلٍ جائز.

الرابع: أن زوال المرض مظنون بالدواء المباح، وأما بالدواء المحرم فمتوهم فكيف يرتكب الحرام لأمرٍ متوهم؟

الخامس: أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تتداووا بحرام) فهذا نهي، والنهي يقتضي في الأصل التحريم وهو إنَّما حرم لقبحه فلا يكون فيه شفاء، وأما النظر فمن عدة وجوه:

الأول: أن الله تعالى إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبًا، عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله جلَّ وعلا “فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم… الآية” وإنما حرم على هذه الأمة ما حرّم من أجل خبثه، وتحريمه له حمية لها وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.

الثاني: أن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواءً حض على الترغيب فيه وملابسته, وهذا مضاد لمقصود الشارع.

الثالث: أنه داء كما نص عليه الشارع فلا يجوز أن يتخذ دواء.

الرابع: أنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيِّنًا فإذا كانت كيفيته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثًا فكيف إذا كان خبيثاً في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته.

الخامس: أن إباحة التداوي به ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذّة لاسيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، مزيل لأسقامه، جالب لشفائها فهذا أحب شيء لها والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضًا عظيمًا.

السادس: أن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه الشفاء ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى، وخلاصته أن التداوي بشرب دم الضب المسفوح حرام وفاعله آثم ولا عبرة بقول أحد مع هذه الأدلة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح والتفريع على مقاصد الشريعة والله أعلى وأعلم.

الرجوع إلى : محظورات التداوي