الخطبة الأولى
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض يحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت الأول فلا شيء قبله والآخر فلا شيء بعده والظاهر فلا شيء فوقه والباطن فلا شيء دونه له الكمال في كل شيء كمال يليق بجلاله كمال لا تدركه العقول ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الخلق وله الأمر واليه يرجع الأمر كله دقة وجله علانيته وسره سبحانه وتعالى عما يصفون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير مبعوث لكافة البشر بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لأمته نصائح حيرت العقول والفِكر وأحيت قلوبا وأوصلتها إلى دار النعيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيدا أما بعد أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فاتقوه تفلحوا وافتقروا إليه يغنيكم من فضله خلق الله الداء وجعل له دواء وابتلانا بالداء لنفتقر إليه فيكشف الداء بالدواء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق الداء والدواء فتداووا ولا تتداووا بحرام ) ولقد ذكرنا وبينا في الخطب السابقة عن داء السحر وخطره وآثاره إذا وقع ما يجعل السامع متلهفا لمعرفة أسباب الوقاية منه قبل وقوعه ومعرفة كيفية علاجه بعد وقوعه ويتعجب السامع إذا علم انه بمقدوره اتقاء السحر قبل وقوعه وأن يعالج نفسه بعد وقوعه مع مراعاة شروط لذلك فاستمعوا جيدا واعلموا أن الوقاية من السحر ووقوعه تكون بأمور منها التقوى والإحسان قال تعالى (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) ومنها تحقيق الإيمان والعمل بالطاعات التي تزيد منه ( الله ولي الذين آمنوا ) وقوله ( ان الله يدافع عن الذين آمنوا ) ومنها التوكل على الله عز وجل قال تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ومنها الصدقة التي تدفع البلاء وتخفف منه إذا وقع ومنها الاستغفار والتوبة لأن البلاء يقع بسبب الذنوب والمعاصي ومنها الاستعاذة بالله من شر السحر والسحرة وجميع الشرور والتحصين بقراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة وكذلك قراءتها عند النوم فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان وكذلك قراءة خواتيم سورة البقرة ( آمن الرسول إلى آخر السورة ) فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة فقد كفتاه ) أي كفتاه من كل سوء وكذلك قراءة المعوذتين الفلق والناس وكذلك الإكثار من التعوذات النبوية قال عليه الصلاة والسلام ( من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزلة ذلك ) وغيرها كثير وكذلك الإكثار من تلاوة القرآن والإكثار من الدعاء ومن أسباب الوقاية أكل سبع ثمرات من العجوة كل صباح فعن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله ( من اصطبح كل يوم ثمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل ) وجاء في رواية سبع تمرات والعجوة نوع من تمر المدينة يضرب لونه إلى السواد وهو ما غرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ومن أسباب الوقاية من السحرالابتعاد عن طريق السحرة والذهاب إليهم لأن بعضهم يقوموا بسحر من يأتيهم من الموهومين أو المستفسرين ليترددوا عليهم وأكثر ما يفعلوا ذلك مع النساء لرغباتهم وشهواتهم حتى تقع فريسة سهله بين أيديهم ومن ذلك الابتعاد عن قرناء السوء وما أكثرهم وهؤلاء قد لا يظهر منهم أنهم على علاقة مع السحرة ولكنهم لفسقهم وابتعادهم عن طريق الله القويم لا يتورع أحدهم أن يسحر اعز أصدقائه إذا غضب منه أو طمع في شيء منعه إياه ووجد من سحر صديقه طعماً في زوجة صديقه ومن أسباب الوقاية العدل وعدم الظلم فيكثر من الناس جاهلون فإذا ظلم أحدهم ذهب فسحر انتقاما وكم وجد من الخدم من فعل ذلك سواء بأنه ظلم أو سحر ليكون هو المهيمن على سيده أو غير ذلك وورد في أثر صحيح أن عائشة رضي الله عنها باعت جارية لها وكانت قد سحرتها لتعتقها فأتت بها عائشة رضي الله عنها وسألتها هل سحرتني قالت نعم قالت لماذا قالت أحببت العتق قالت عائشة والله لا تعتقي أبدا وكم وجدنا من ظلم فسحر ووجدنا من اعتدي عليه بالسحر لسرقة أمواله وكله وارد لذا يتحرى الإنسان في تعامله مع الناس الذين يدخل عليم ويدخلون عليه ومن أسباب الوقاية وخاصة النساء وهن أكثر من يصبن بالسحر وأكثر ما يقع من المشاحنات بين الجارات تنتهي بان تسحر جارتها لتطلق أو العكس تسمع قصة جارتها مع زوجها والمشاكل التي بينهم فتأتيها بأسحار توهمها إنها علاج يذهب بالعداوة التي تكون بين الأزواج وأن هذا سيحبب زوجها فيها فتفعله المسكينة فتدمر حياتها بنفسها لذا على كل مرأة مؤمنة عاقلة أن تحتاط وتحرص في تعاملها مع جاراتها وأن تمسك لسانها وتختار من جاراتها ذات الدين والخلق القويم ونبينا عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ بالله من جار السوء في دار المقامة ومن أسباب الوقاية التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحسن من صلى وصام وكان يحيي الليل بالقيام وكان يتحصن بالأذكار والأدعية ويكثر من الاستغفار والتعوذ لما يعلم من خطورة الشرور التي حوله وكثير منا قد أهمل هذا الجانب فالصلاة في البيوت انعدمت فلا صلاة ولا قيام ولا أذكار ولا استغفار بل وامتلأت البيوت التي هي شبه حصن للمسلم امتلأت بأنواع الشرور مما يسبب وقوع أنواع الأذى فواجب علينا أن نرعى هذا الجانب اهتماما كبيرا وأخيرا ظهر في الآونة الأخيرة من يطلع على كتب السحر ويريد أن يجرب حظه وللأسف وجد من الطلاب الذين لم يصلوا بعد إلى المرحلة الثانوية من يحمل هذه الكتب ويجربها ويقرأها يريد أن يرى العجائب وتخضع له سائر الصعوبات والعقبات فإذا بالمسكين قد سحر نفسه وأصيب بمس الشياطين بل وآذى أهله حتى تضرر منه والديه فلذا على الوالدين مراقبة الأبناء وما يدخلوه في البيوت وتذكيرهم ونصحهم بخطر هذه الكتب ليبتعدوا عن هذه الطريق المظلمة نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ان يبصرنا في ديننا وأن يجعل ما سمعناه حجة لنا لا علينا وأن يحفظنا من كل مكروه انه قريب مجيب أقول ما تسمعون وأستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
طرق علاج السحر : الخطبة الثانية
الحمد لله الرحمن الرحيم الذي هدانا لسبل النجاة من شرور الدارين رحمته وسعت كل شيء يدفع البلاء في الدنيا عن المؤمنين والكافرين نحمده سبحانه على حفظه العظيم وإجابته لدعاء السائلين انه هو البر الرحيم واشهد ان لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ولا يمضي إلا أمره واشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله إمامنا وقدوتنا قائد الغر المحجلين وشفيع الموحدين صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد عباد الله اتقوا ربكم الذي أمهلكم لتتوبوا ويبتليكم ثم يكشف الضر عنكم لتعتبروا فتنيبوا فادعوا الله وتضرعوا إليه ليقيكم ويدفع عنكم عذاب الآخرة أكثر مما تدعونه إذا حلت بكم المصائب الدنيا انه قريب مجيب أيها الناس ذكرنا الوقاية من السحر قبل وقوعه فكيف إذا وقع وعلم الإنسان أنه مسحور سواء كان هذا السحر قديما أو جديدا إن أول شيء يفعله أن يسلم أمره إلى الله عز وجل ويسترجع بقوله 0 إنا لله وأنا اله راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ) وأن يعتقد اعتقادا جازما أن هذا الأمر له خير ان صبر وأن يرضى بقضاء الله وقدره ومنها أن يلجأ إلى الله وحده مقرا بذنوبه طالبا رحمة الله موقنا بان السحر لا يبطله إلا الله قال تعالى حاكيا عن موسى ( فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ) ومنه أن عائشة رضي الله عنهارأت في نومها أن اغتسلي من ثلاث أبار يمد بعضها بعضا فانك تشفين فشفيت وأفضل علاج للسحر هو أن يعلم الإنسان بمكان سحره ويستخرجه ويبطله ولكن لا يكون عن طريق العرافين والسحرة ومن العلاج أن الإنسان إذا دعا ألا يستعجل في طلب الإجابة من ربه فإذا علم الإنسان أنه مسحور دعا ربه تلك الليلة يريد أن ينزل الشفاء ويستعجل على ربه والرسول صلى الله عليه وسلم يبين أن هذا من أسباب عدم استجابة الدعاء قال عليه الصلاة والسلام ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت دعوت فلم أر يستجاب لي ) وكذلك من أسباب رد الدعاء المأكل والمشرب الحرام ويكون العلاج باستخدام المباحات من العلاج منها التصبح بسبع تمرات من عجوة المدينة ومنها شرب ماء زمزم بنية الشفاء فهو لما شرب له ومنها العسل الذي فيه شفاء للناس ومنها التداوي بالحبة السوداء التي قال فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام ( في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ) وكذلك التداوي بالسنا والسنوت لقوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالسنا والسنوت فان فيهما شفاء من كل داء إلا السام وهو الموت ) وجاء في علاج المربوط عن أهله كما جاء في كتاب وهب بن منبه وقال بذلك أيضا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في فتوى عنه ان يأخذ المربوط عن أهله سبع ورقات من سدر اخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل ويمكن أن يزيد عليه آيات السحر ثم يشرب منه ثلاث شربات ثم يغتسل به فانه يذهب عنه كل ما به وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله ومن العلاج أيضا الحجامة وهي إخراج الدم الفاسد من الجسد وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما سحر احتجم في رأسه فخفف عنه كثيرا ثم عدل عنه عندما علم بمكان سحره وأبطله ولقد جاء في الأحاديث الصحيحة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة الا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة ) ويمكن الاستعانة ببعض من يوثق بدينهم ممن يعالجون بالقرآن والأدعية الخالية من الشرك والغموض لدفع هذا البلاء وهو ما يسمى بالرقية الشرعية وأن يكونوا من أهل الخبرة في ذلك وممن لا يستعينون بالجن في علاجهم ومنها تلاوة سورة البقرة بكثرة لقوله عليه الصلاة والسلام ( اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) ولقد يسر الله لنا أيضا هذه الأجهزة التي يمكن لنا من خلالها أن نستمع إلى كتاب الله ولها دور كبير في العلاج وخاصة في حق من لا يحسن قراءة القرآن فيمكن للمسحور أن يستمع إلى الأشرطة لسورة البقرة وآيات السحر وغيرها وهذا أيضا يؤدي إلى أضعاف خادم السحر من الجان مما يجعله ينطق بمكان السحر في بعض الأحيان ويصدق في بعضها مما يسهل إخراج السحر وإبطاله وأخيرا دعاء الصالحين وخاصة الدعاء بظهر الغيب وكذلك دعاء الوالدين وهذه قصة لشاب سحر سنين وكان يعاني وفعل كل ما بوسعه من الأسباب من أنواع العلاج المباح ولكن الله قد جعل لكل شيء قدرا وفي ذات ليلة وهو نائم رأى شيخا بلحية بيضاء يناوله كأس ماء فأخذه وشربه فاستيقظ قرب الفجر وإذا هو معافى فحمد الله ثم انه أخبر أمه فأخبرته إنها كانت ساجدة تلك الساعة تدعوا الله أن يشفي ابنها فاستجاب الله دعاءها فشفاه نسأل الله باسمه الشافي أن يشفي كل مسحور ومسحورة وان يبطل كل سحر قديم يجدد وأن يكتب الأجر لكل من صبر على بلائه إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ألا وصلوا وسلموا على نبينا الكريم محمد وآله وصحبه أجمعين اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسلم تسليما كثيرا اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين اللهم آمنا في أوطاننا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم ارحم ضعفنا واغفر ذنبنا وأصلح لنا ديننا وآخرتنا اللهم استر عيوبنا واكشف كروبنا اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.