فتوى للشيخ بن باز رحمه الله حول مشروعية العلاج بالقرآن والنفث في الماء وما الى ذلك
فأجاب سماحته- رحمه الله-:
علاج المصروع والمسحور بالآيات القرآنية والأدوية المباحة لا حرج فيه إذا كان ذلك ممن يعرف بالعقيدة الطيبة والالتزام بالأمور الشرعية.
الجواب:
أما العلاج عند الذين يدَّعون الغيب أو يستحضرون الجن أو أشباههم من المشعوذين أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم ولا تعرف كيفية علاجهم فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيِّد.
والأحاديث الأخرى في هذا الباب كلها تدل على تحريم سؤال العرافين والكهنة وتصديقهم، وهم الذين يدعون الغيب أو يستعينون بالجن ويوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك وفيهم وأشباههم ورد الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) وفسر العلماء هذه النشرة بأنها ما كان يعمل في الجاهلية من حل السحر بمثله ويلتحق بذلك كل علاج يستعين فيه بالكهنة والعرافين وأصحاب الكذب والشعوذة .
وبذلك يعلم أنَّ العلاج لجميع الأمراض وأنواع الصرع وغيره إنَّمَا يجوز بالطرق الشرعيَّة والوسائل المباحة ومنها القراءة على المريض والنفث عليه بالآيات والدعوات الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام) انتهى..
سئل الشيخ بن عثيمين: ما حكم خدمة الجن والإنس؟
فأجاب بقوله: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المجلد الحادي عشر من مجموع الفتاوى ما مقتضاه أن استخدام الإنس للجن له ثلاث حالات:
الأولى: أن يستخدمه في طاعة الله كأن يكون نائبا عنه في تبليغ الشرع، فمثلاً إذا كان له صاحب من الجن المؤمن يأخذ عنه العلم فيستخدمه في تبليغ الشرع لنظرائه من الجن، أو في المعونة على أمور مطلوبة شرعا فإنه يكون أمرا محمودا أو مطلوبا وهو من الدعوة إلى الله عز وجل. والجن حضروا للنبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن وولّوا إلى قومهم منذرين، والجن فيهم الصلحاء والعباد والزهاد والعلماء لأن المنذر لا بد أن يكون عالما بما ينذر عابدًا.
الثانية: أن يستخدم في أمور مباحة فهذا جائز بشرط أن تكون الوسيلة مباحة فإن كانت محرمة فهو محرم مثل أن لا يخدمه الجني إلا أن يشرك بالله كأن يذبح للجني أو يركع له أو يسجد ونحو ذلك .
الثالثة: أن يستخدم في أمور محرمة كنهب أموال الناس وترويعهم وما أشبه ذلك، فهذا محرم لما فيه من العدوان والظلم، ثم إن كانت الوسيلة محرمة أو شركا كان أعظم وأشد.
المصدر: [فتوى رقم: 193] من فتاوى العقيدة للشيخ رحمه الله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالي في [مجموع الفتاوى: 2/239-240 ، 318]:
وقد اتخذ بعض الرقاة كلام شيخ الإسلام رحمه الله متكئًا على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم في العلاج بأنه من الأمور المباحة ولا أرى في كلام شيخ الإسلام ما يسوِّغ لهم هذا، فإذا كان من البدهيّات المُسَلّم بها أنَّ الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه، الغالب عليه الكذب معتد ظلوم غشوم لا يعرف العذر بالجهل مجهولة عدالته لذا روايته للحديث ضعيفة فما هو المقياس الذي نحكم به على أن هذا الجني مسلم وهذا منافق وهذا صالح وذاك طالح؟
لذا الاستعانة بالجن المسلم (كما يدعي البعض) في العلاج لا تجوز للأسباب التالية:
أولاً: قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى ورُقي وأمر أصحابه بالرقية فاجتمع بذلك فعله وأمره وإقراره صلى الله عليه وسلم. فلو كانت الاستعانة بالجن المسلم كما يدعي البعض فضيلة ما ادخرها الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم يوم سحرته يهود ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وهم خير الخلق وأفضلهم بعد أنبيائه وفيهم من أصابه الصرع وفيهم من أصابته العين وفيهم من تناوشته الأمراض من كل جانب فما نقلت لنا كتب السنة عن راق فيهم استعان بالجن.
ثانيًا: الاستعانة بالجني المسلم- كما يدعي البعض- تعلّق قلب الراقي بهذا الجني: وهذا ذريعة لتفشِّي استخدام الجن مسلمهم وكافرهم ومن ثم يصبح وسيلة من وسائل الشرك بالله جل وعلا وخرق ثوب التوحيد ومن فهم مقاصد الشريعة تبين له خطورة هذا الأمر فما قاعدة (سد الذرائع) إلا من هذا القبيل.
ثالثًا: يجب المفاصلة بين الراقي بالقرآن والساحر- عليه لعنة الله-: وهذا الأمر فيه مشابهة لفعل السحرة فالساحر يستعين بالجن ويساعدونه ويقضون له بعض حوائجه لذا قد يختلط الأمر على من قلّ حظه من العلم فيساوي بين الراقي بالقرآن والساحر فيروج بذلك سوق السحرة وهذا من المفاسد العظيمة على العقيدة.
رابعًا: من المعلوم أن الجن أصل خلقته من النار والنار خاصيتها الإحراق فيغلب على طبعه الظلم والاعتداء وسرعة التقلب والتحول من حال إلى حال فقد ينقلب من صديق إلى ألد الأعداء ويذيق صاحبه سوء العذاب لأنه أصبح خبيراً بنقاط ضعفه .
احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة *** فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة
فمن أراد التخلص من هذا الأمر فليستشعر أن الحق في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم أجمعين والتابعين من أئمة الهدى والتقى والدين وليترك التعرّج على كل ما خالف طريقتهم كائنًا ما كان. فهل بعد سبيل الله ورسوله إلا سبيل الشيطان؟ والله أعلم.
هذا النقل من: [فتاوى الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- لأبي المنذر خليل بن إبراهيم في رسالته: الرقية والرقاة بين المشروع والممنوع: من تقديم فضيلة الشيخ: صالح الفوزان- حفظه الله- وبتأييد من سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز- رحمه الله- في وقته
وقال في آخر ما قال في حكم الاستعانة بالجن في علاج المصروع]
[الاستعانة بالمخلوق فيما يقدِر عليه لا بأس بها فلا حرج في الاستعانة بهم، أما تصديقهم وتكذيبهم فهذا لابدَّ أن يُنظر فيه، وعلى العموم الأمر ليس بالسهل؛ فمن الذي يستعين بهم؟ ولماذا؟ وكيف؟ كل ذلك محل نظر، فليُتثبت في الأمر].
وكأنه يُفهَم منه أنَّ هذه الأسئلة– في هذا اللقاء- عرضت على الشيخ عام 1412هـ.