لحظات الانتظار املأها بالاستغفار

قوائم الموقع

أسباب الحسد وحكمه وعقوبة الحاسد

20 مايو، 2016 5170 عدد الزوار

أسباب الحسد:

سبب الحسد أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس، فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه إليه ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه. وذكر الغزالي في الإحياء سبعة أسباب للحسد:

السبب الأول:

العداوة والبغضاء: وهذا أشد أسباب الحسد، فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد. والحقد يقتضي التشفي والانتقام فإن عجز عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان.

السبب الثاني:

التعزز: وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالا خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه، وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره، فإنه قد رضي بمساواته مثلاً، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.

السبب الثالث:

الكبر: وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه، ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطئ رؤوسنا له فقالوا: “لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ”

السبب الرابع:

التعجب: كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا: “مَا أَنْتُمْ إلَّا بِشْرٌ مِثْلُنَا”. وقالوا: “أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا” – “وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إنَّكُمْ إذًا لَخَاسِرُونَ”، فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم، فحسدوهم، وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة، لا عن قصد تكبر، وطلب رئاسة، وتقدم عداوة، أو سبب آخر من سائر الأسباب.

السبب الخامس:

الخوف من فوت المقاصد: وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فإن كل واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرائر في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين.

السبب السادس:

حب الرئاسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل به إلى مقصود: وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءَه ذلك، وأحب موته، أو زوال النعمة عنه.

السبب السابع:

خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى: فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس، وإدبارهم، وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبدا يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه.

 

الحكم والعقوبة

الحكم التكليفي:

الحسد إن كان حقيقيًا، أي بمعنى تمني زوال النعمة عن الغير فهو حرام بإجماع الأمة؛ لأنه اعتراض على الحق، ومعاندة له، ومحاولة لنقض ما فعله، وإزالة فضل الله عمن أهله له، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والمعقول.

أما الكتاب:

فقوله تعالى: “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ” فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة من شر الحاسد، وشره كثير، فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين، ومنه ما هو مكتسب كسعيه في تعطيل الخير عنه وتنقيصه عند الناس، وربما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك. وقد اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي ورد الأمر بالاستعاذة من شره.

فقال قتادة: [المراد شر عينه ونفسه].

وقال آخرون: [بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شر اليهود الذين حسدوه]، والأولى بالصواب في ذلك كما قال الطبري: [إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستعيذ من شر كل حاسدٍ إذا حسد] وإنما كان ذلك أولى بالصواب؛ لأن الله عز وجل لم يخصص من قوله: “وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد” حاسدًا دون حاسد بل عم أمره إياه بالاستعاذة من شر كل حاسد فذلك على عمومه. والحاسد كما قال القرطبي: [عدو نعمة الله].

قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:

أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.

ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟

ثالثها: أنه ضاد فعل الله، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله.

ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.

وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.

 

وأما السنة:

فقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو العشب).

وأما المعقول فإن الحاسد مذموم، فقد قيل: [إن الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء, ولا ينال في الخلوة إلا جزعًا وغمًا، ولا ينال في الآخرةِ إلا حزنًا واحتراقًا، ولا ينال من الله إلا بعدًا ومقتًا]. ويستثنى من تحريم الحسد ما إذا كانت النعمة التي يتمنى الحاسد زوالها عند كافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى. أما إذا كان الحسد مجازيًا، أي بمعنى الغبطة فإنه محمود في الطاعة، ومذموم في المعصية، ومباح في الجائزات، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) أي كأنه قال: (لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين).

القدر المعفو عنه من الحسد وعكسه وما فيه خلاف:

ذكر الغزالي أن المرء لا يمكنه نفي الحسد عن قلبه بالكليَّة، بل يبقى دائمًا في نزاع مع قلبه؛ لأنه لابد أن يبقى فيه شيء من الحسد لأعدائه، وذكر في هذا المقام أن للشخص في أعدائه ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يحب مساءتهم بطبعه، ويكره حبه لذلك وميل قلبه إليه بعقله، ويمقت نفسه عليه، ويود لو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل منه، وهذا معفو عنه قطعًا؛ لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه.

الثاني: أن يحب ذلك ويظهر الفرح بمساءته إما بلسانه أو بجوارحه فهذا. هو الحسد المحظور قطعًا.

الثالث: وهو بين الطرفين أن يحسد بالقلب من غير مقت لنفسه على حسده، ومن غير إنكار منه على قلبه، ولكن يحفظ جوارحه عن طاعة الحسد في مقتضاه، وهذا في محل الخلاف، والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه.

الرجوع إلى : عن الحسد